تطورات الايام الاخيرة، والاصح القول الساعات الاخيرة مثيرة للتفكير ولأعادة تقييم العديد من المفاهيم السياسية، ولا اقول العسكرية ايضا، لاني لا افهم في القضايا العسكرية اكثر من كونها سياسة بلغة القوة، او استمرار لعنجهية القوة لفرض واقع سياسي، حتى اليوم كانت لغة اسرائيلية ناجحة مع جميع الدول العربية، وتركت ترسبات انهزامية باتت تقرر في القرار العربي، اذا صح ان نسمي الانهزامية العربية قرارا، ومن الواضح انه في غياب انظمة عربية منتخبة دمقراطيا، وتتمتع بمؤسسات سلطة مستقلة، ورقابة على نهج ادارة السلطة من البرلمان ومن المؤسسة القضائية ومن جهاز رقابة مستقل يتمتع بالصلاحيات الكاملة، اسوة بالانظمة الدمقراطية في العالم، لن يتغير النهج الانهزامي للأنظمة العربية لسبب بسيط، ان ما يقلق انظمة الحكم ليس تصرفات العنجهية الاسرائيلية والجرائم التي ترتكبها ضد الشعوب العربية، وضد شعبها نفسه، انما صيانة الأنظمة الفئوية والطائفية والعائلية وأمنها واستمراريتها ورفاهية المنتفعين من حولها ...
فجر الاثنين 06 /07 /31 كان من الممتع النظر لوجه الامبراطورية العظمى في عصرنا، امبراطورية بوش الامريكية، كما تجلى بسحنة وزيرة خارجية الامبراطورية كوندوليزا رايس وهي تقدم بيانها للصحافة قبل ان تغادر اسرائيل الى واشنطن. ما لم تقله رايس هو المهم الذي جعل الابتسامة الامبراطورية تختفي من وجهها الناضر، تلك الابتسامة التي نقلت عبرها رسائلها السياسة للمجتمع الدولي وللدول العربية، بلغة دبلوماسية جديدة، لها الحق ان تسجلها لحسابها الدبلوماسي، فلم يسبقها لهذا الاسلوب السياسي الا عضوة البرلمان الطليانية "تشوشينا"، ولكن على مستوى ايطاليا فقط. الآنسة رايس تفوقت على الطليانية اثناء لقاءاتها الحميمة مع اصحابها الاسرائيليين، وربما ما زالت تتذكر ايامها الممتعة في الجامعة العبرية، مما اعطى لابتساماتها زخما سياسيا وقوة امبراطورية لم يسبقها اليه احد. كما قلنا .. تناثر وهج السعادة من وجهها فجر الاثنين نهائيا، ومن حق رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورا علينا، ان نعترف له بانه اول مسؤول عربي، ودولي ايضا... يكسر عنجهية الآنسة ممثلة امبراطورية بوش، عندما اغلق ابواب لبنان امامها، مترجما الى لغة السياسة، الواقع العسكري في الحرب التي تنفذها اسرائيل لحساب النظام الامريكي.
لا اقدم اي جديد في القول ان هذه الحرب امريكية بأهدافها الاساسية، وتختلف عن حروب اسرائيل السابقة، التي خاضتها اسرائيلية بدعم امريكي. الهدف الامريكي هو ضرب حزب الله (ابادته) الذي ترى فيه الادارة الامريكية منظمة ارهابية، الامر الذي سينكس ايجابا على حربها العالمية على ما تسميه "الارهاب العامي"، ولا انفي ان للأمريكيين حسابات قديمة وحديثة مع حزب الله. تحقيق نصر امريكي - اسرائيلي ضد حزب الله، حسب المفاهيم الامريكية، هو خطوة كبيرة في الاستراتيجية الدولية للسياسة الامريكية ايضا.
ومقابل هذه المهمة، تستطيع اسرائيل ان تهدم لبنان وتقتل اطفاله ونسائه وناسه الابرياء، وان تعيد الى صميم السياسة العربية روح الانهزامية المطلقة والاستسلام المستقر بصفته واقعا عربيا موضوعيا.
ان اي تفكير سياسي واقعي، كان عليه ان يأخذ هذا الاتجاه باعتباره قبل القيام بأي استفزاز عسكري يودي بحياة المئات من الابرياء.لا يوجد اي تبرير لتعريض مواطني دولة للتدمير ومواطنيها للقتل والتشريد تحت اي صيغة مهما كانت صادقة ... وخاصة في ظل غياب منظومة دفاعية وقدرات سياسية (عربية في حالتنا) قادرة على الحركة والتأثير ... شكرا للملايين من الدولارات العربية، لكنها لن تعيد بناء الا الحيطان وشوارع الاسفلت.
ان منظر عشرات الاطفال من ضحايا الجنون الاسرائيلي –امريكي اصعب بملايين المرات من مناظر الاجرام النازي في اوروبا. اذا لم يحرك هذا الدم الطاهر البريء الشعوب العربية لنسف انظمتها، والبدء بتغيير الواقع العربي، فهذه الامة في طريقها للضياع والانحلال!!
قلت واكرر .. رفضي لسياسة ومغامرات حزب الله لا تعني اني اقف على الحياد مكتفيا بالانتقاد، بل ارى اهمية صمود مقاتليه واعطاء نموذج للشعوب العربية، هو الاول من نوعه منذ بدأت الهزائم العربية. واعتقد انه فاجأ مؤيديه ايضا بقدراته الاسطورية.
الامريكيون في تغطيتهم لعملياتهم العسكرية بأيدي اسرائيلية اكدوا مرارا، ان وقف اطلاق النار فقط بعد خلق الشروط التي "تكفل استمراره"، اي القضاء على القوة العسكرية لحزب الله، وانه لا وقف لاطلاق النار بين دولة و"منظمة ارهابية"، فما الذي غير الوضع وجعل وجه ممثلة الامبراطورية العظمى ينقط سما فجر الاثنين؟
لا استهتر بقوة ثأثير المذبحة الهمجية للأطفال والأبرياء في قانا، وتأثير المناظر المرعبة لتدمير لبنان وقتل المدنيين ، ولكن الأمر الحاسم كان العجز الامريكي - الاسرائيلي، رغم كل الاسلحة "الذكية" والجيش الجبار، في ترجمة القوة العسكرية مع اشباح حزب الله عل الارض، الذين جعلوا الجيش الجبار يقاتل ظلاله.
ولا بد من التأكيد بأن طلب رئيس الحكومة اولمرت لاسبوعين اضافيين، يظهر عمق الأزمة العسكرية لجيشه، والمهزلة التي اصبحت اسما رديفا لقوة الردع الاسرائيلية.
في حساب الخسارة والربح السياسي ايضا حقق حزب الله انجازا غير مسبوق عربيا، اعطى للسلطة الشرعية اللبنانية الحق بان تكون اول سلطة عربية، وربما دولية ايضا في العصر الحديث على الاقل، توجه صفعة مهينة لممثلة الامبراطورية الأمريكية.. "انت غير مرغوب فيك، لا رصيد لامبراطوريتك في بنك لبنان السياسي". وكما وضعت الامبراطورية شروطا مهينة لوقف القتال، وضع لبنان شروطا مهينة لاستقبال ممثلتها. فغابت الابتسامة، وتعود لواشنطن بفشل قد يكلفها منصبها. وانعكاسات هذا الفشل والصفعة المهينة ستصبح معيارا سياسيا دوليا، قد يقلب الكثير من النظريات السياسية التي تتداولها الاكاديميات وغرف التخطيط السياسي في دول العالم المختلفة، وخاصة في الولايات المتحدة الامريكية.
من الصعب معرفة كيف تنتهي الحروب. من السهل اشعالها. هذه اول حرب تخوضها اسرائيل وتتعثر. لاول مرة يشعر المواطنين بالخطر على حياتهم ويدفعون ثمنا انسانيا رهيبا ايضا. انا لا اميز بين الم انسان وآخر، حتى لو كان نقيضا لي. ولا اميز بين دم وآخر، ولا اميز بين بكاء الاطفال والامهات .. بعض المهووسين في اسرائيل رفعوا شعارات لا تخجل بمضمونها مجرمي الحرب الذين حوكموا في نورنبرغ.
.. واولئك المهووسين من رجال سياسة وبرلمانيين ... قال احدهم بوقاحة حيوانية: "ان تبكي ام لبنانية افضل من ان تبكي ام يهودية". هل تصرف الجيش في قصفه للمراكز الآهلة بالسكان في لبنان على اساس هذه القاعدة الأخلاقية غير الجديدة في اسرائيل؟ الموضوع يحتاج الى تدقيق ودراسة للفكر العسكري والاخلاقي الاسرائيلي كما انعكس في كل حروبات اسرائيل!! ويبدوا ان السادة السياسيين يتصرفون حسب هذه المقولة اذ لم نسمع امتعاضهم على الأقل من هذه الآفة الحيوانية .. في دولة تحترم نفسها، مثل هذا القول يقود الى النبذ والآقصاء من المجتمع البشري وليس من السياسة فقط. كنت اتوقع ان اسمع شجبا من بعض العقلانيين، واعترف انه بعد صمت المدافع ستعلو اصواتهم ويكثر عددهم، ولا بأس بذلك.
الفشل الاسرائيلي - الامريكي له اسقاطات بعيدة المدى ... وسنشهد محاولات لاعادة ترتيب الاوراق وربما استمرار الحرب الهمجية بقوة دفع اعظم لانجاز ما فشلوا من انجازه حتى اليوم، واعتقد ان رايس باتت اسيرة للرغبة في الرد على الصفعتين .. صفعة لبنان السياسية وصفعة الصمود الاسطورية للشعب اللبناني، الذي قد يهز العروش العربية الخاملة والفاسدة ويدفع آمال جديدة بمستقبل عربي زاهر، اختفى حتى من الحلم العربي ...
ان وقف اطلاق النار لـ 48 ساعة، يجيء ليس بضغط دولي فقط اثر الجريمة الرهيبة في قانا، انما بعد تيقن الادارة الامريكية ان حليفها الاسرائيلي بات يكابر ويزايد وتسيطر عليه نفس الاوهام التي قادتها للتورط في المستنقع العراقي. ويبدو انه لا احد احسن من احد. عظمة الجيش الاسرائيلي مشروطة بواقع عربي، الخوف الان من تغيير هذا الواقع نتيجة ما يحدث في لبنان بات في بعض الحسابات اهم من استمرار تدمير لبنان، خاصة عندما لا تلوح في الافق امكانية الحسم العسكري، وهناك خوف من تلقي للمزيد من الضربات لما تسميه اسرائيل "قوة ردعها" .. وربما باتت امريكا تعمل حساب ثمن الحرب الذي ستسدده لاسرائيل عاجلا ام آجلا .. وهو ثمن اقتصادي وعسكري هائل!!
فرض وقف القتال لـ48 ساعة، قد يكون الخطوة الاولى للوقف الكامل للقتال، الامر يتعلق بالقوى المتصارعة داخل الادارة الامريكية وحسابات غرف السياسة والحرب، وبالطبع لا نستهتر بقدرة اسرائيل في التأثير على القرار الامريكي، وكل ما يدور بكواليس السياسة بغياب الدور العربي.
أثلج صدري ما اعلنه وزير الطاقة الفنزويلي من ان بلاده ستوقف بيع النفط لامريكا اذا واصلت سياستها العدوانية ضد بلاده، وكان الرئيس الفنزويلي في زيارة رسمية لايران .. وتمنيت ان اسمع تلميحا عربيا مشابها اذا استمرت التغطية الدبلوماسية والعسكرية الامريكية للعدوان الاسرائيلي على لبنان .. وخاصة الاصرار الامريكي على رفض وقف اطلاق النار. شتان ما بين كرامة السلطة في فنزويلا، تحت الضربة المباشر للجارة العملاقة، والأنظمة الشرشوحة العربية المستباحة للفساد وللغطرسة الامريكية – الاسرائيلية!! لعلهم الان يلمحون بذلك للتأثير على القرار الامريكي بعد الـ 48 ساعة من وقف القتال.
الحرب لم تنته بعد .. الساعات القادمة ستكون محملة بالمناورات لتركيع لبنان، اظن ان الاوراق التي ما زالت تعتمدها الدبلوماسية الامريكية اصبحت غير ذات جدوى، الشرق الاوسط الجديد، هو جديد حقا، بدون الرؤية الامريكية – الاسرائيلية. هذا تحول هام، يعتمد على قدرة الشعوب العربية في فهم متطلبات المرحلة الجديدة، والاهم في اعادة تشكيل لبنان الحديث الديمقراطي المتنور والمتطور!!
فجر الاثنين 06 /07 /31 كان من الممتع النظر لوجه الامبراطورية العظمى في عصرنا، امبراطورية بوش الامريكية، كما تجلى بسحنة وزيرة خارجية الامبراطورية كوندوليزا رايس وهي تقدم بيانها للصحافة قبل ان تغادر اسرائيل الى واشنطن. ما لم تقله رايس هو المهم الذي جعل الابتسامة الامبراطورية تختفي من وجهها الناضر، تلك الابتسامة التي نقلت عبرها رسائلها السياسة للمجتمع الدولي وللدول العربية، بلغة دبلوماسية جديدة، لها الحق ان تسجلها لحسابها الدبلوماسي، فلم يسبقها لهذا الاسلوب السياسي الا عضوة البرلمان الطليانية "تشوشينا"، ولكن على مستوى ايطاليا فقط. الآنسة رايس تفوقت على الطليانية اثناء لقاءاتها الحميمة مع اصحابها الاسرائيليين، وربما ما زالت تتذكر ايامها الممتعة في الجامعة العبرية، مما اعطى لابتساماتها زخما سياسيا وقوة امبراطورية لم يسبقها اليه احد. كما قلنا .. تناثر وهج السعادة من وجهها فجر الاثنين نهائيا، ومن حق رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورا علينا، ان نعترف له بانه اول مسؤول عربي، ودولي ايضا... يكسر عنجهية الآنسة ممثلة امبراطورية بوش، عندما اغلق ابواب لبنان امامها، مترجما الى لغة السياسة، الواقع العسكري في الحرب التي تنفذها اسرائيل لحساب النظام الامريكي.
لا اقدم اي جديد في القول ان هذه الحرب امريكية بأهدافها الاساسية، وتختلف عن حروب اسرائيل السابقة، التي خاضتها اسرائيلية بدعم امريكي. الهدف الامريكي هو ضرب حزب الله (ابادته) الذي ترى فيه الادارة الامريكية منظمة ارهابية، الامر الذي سينكس ايجابا على حربها العالمية على ما تسميه "الارهاب العامي"، ولا انفي ان للأمريكيين حسابات قديمة وحديثة مع حزب الله. تحقيق نصر امريكي - اسرائيلي ضد حزب الله، حسب المفاهيم الامريكية، هو خطوة كبيرة في الاستراتيجية الدولية للسياسة الامريكية ايضا.
ومقابل هذه المهمة، تستطيع اسرائيل ان تهدم لبنان وتقتل اطفاله ونسائه وناسه الابرياء، وان تعيد الى صميم السياسة العربية روح الانهزامية المطلقة والاستسلام المستقر بصفته واقعا عربيا موضوعيا.
ان اي تفكير سياسي واقعي، كان عليه ان يأخذ هذا الاتجاه باعتباره قبل القيام بأي استفزاز عسكري يودي بحياة المئات من الابرياء.لا يوجد اي تبرير لتعريض مواطني دولة للتدمير ومواطنيها للقتل والتشريد تحت اي صيغة مهما كانت صادقة ... وخاصة في ظل غياب منظومة دفاعية وقدرات سياسية (عربية في حالتنا) قادرة على الحركة والتأثير ... شكرا للملايين من الدولارات العربية، لكنها لن تعيد بناء الا الحيطان وشوارع الاسفلت.
ان منظر عشرات الاطفال من ضحايا الجنون الاسرائيلي –امريكي اصعب بملايين المرات من مناظر الاجرام النازي في اوروبا. اذا لم يحرك هذا الدم الطاهر البريء الشعوب العربية لنسف انظمتها، والبدء بتغيير الواقع العربي، فهذه الامة في طريقها للضياع والانحلال!!
قلت واكرر .. رفضي لسياسة ومغامرات حزب الله لا تعني اني اقف على الحياد مكتفيا بالانتقاد، بل ارى اهمية صمود مقاتليه واعطاء نموذج للشعوب العربية، هو الاول من نوعه منذ بدأت الهزائم العربية. واعتقد انه فاجأ مؤيديه ايضا بقدراته الاسطورية.
الامريكيون في تغطيتهم لعملياتهم العسكرية بأيدي اسرائيلية اكدوا مرارا، ان وقف اطلاق النار فقط بعد خلق الشروط التي "تكفل استمراره"، اي القضاء على القوة العسكرية لحزب الله، وانه لا وقف لاطلاق النار بين دولة و"منظمة ارهابية"، فما الذي غير الوضع وجعل وجه ممثلة الامبراطورية العظمى ينقط سما فجر الاثنين؟
لا استهتر بقوة ثأثير المذبحة الهمجية للأطفال والأبرياء في قانا، وتأثير المناظر المرعبة لتدمير لبنان وقتل المدنيين ، ولكن الأمر الحاسم كان العجز الامريكي - الاسرائيلي، رغم كل الاسلحة "الذكية" والجيش الجبار، في ترجمة القوة العسكرية مع اشباح حزب الله عل الارض، الذين جعلوا الجيش الجبار يقاتل ظلاله.
ولا بد من التأكيد بأن طلب رئيس الحكومة اولمرت لاسبوعين اضافيين، يظهر عمق الأزمة العسكرية لجيشه، والمهزلة التي اصبحت اسما رديفا لقوة الردع الاسرائيلية.
في حساب الخسارة والربح السياسي ايضا حقق حزب الله انجازا غير مسبوق عربيا، اعطى للسلطة الشرعية اللبنانية الحق بان تكون اول سلطة عربية، وربما دولية ايضا في العصر الحديث على الاقل، توجه صفعة مهينة لممثلة الامبراطورية الأمريكية.. "انت غير مرغوب فيك، لا رصيد لامبراطوريتك في بنك لبنان السياسي". وكما وضعت الامبراطورية شروطا مهينة لوقف القتال، وضع لبنان شروطا مهينة لاستقبال ممثلتها. فغابت الابتسامة، وتعود لواشنطن بفشل قد يكلفها منصبها. وانعكاسات هذا الفشل والصفعة المهينة ستصبح معيارا سياسيا دوليا، قد يقلب الكثير من النظريات السياسية التي تتداولها الاكاديميات وغرف التخطيط السياسي في دول العالم المختلفة، وخاصة في الولايات المتحدة الامريكية.
من الصعب معرفة كيف تنتهي الحروب. من السهل اشعالها. هذه اول حرب تخوضها اسرائيل وتتعثر. لاول مرة يشعر المواطنين بالخطر على حياتهم ويدفعون ثمنا انسانيا رهيبا ايضا. انا لا اميز بين الم انسان وآخر، حتى لو كان نقيضا لي. ولا اميز بين دم وآخر، ولا اميز بين بكاء الاطفال والامهات .. بعض المهووسين في اسرائيل رفعوا شعارات لا تخجل بمضمونها مجرمي الحرب الذين حوكموا في نورنبرغ.
.. واولئك المهووسين من رجال سياسة وبرلمانيين ... قال احدهم بوقاحة حيوانية: "ان تبكي ام لبنانية افضل من ان تبكي ام يهودية". هل تصرف الجيش في قصفه للمراكز الآهلة بالسكان في لبنان على اساس هذه القاعدة الأخلاقية غير الجديدة في اسرائيل؟ الموضوع يحتاج الى تدقيق ودراسة للفكر العسكري والاخلاقي الاسرائيلي كما انعكس في كل حروبات اسرائيل!! ويبدوا ان السادة السياسيين يتصرفون حسب هذه المقولة اذ لم نسمع امتعاضهم على الأقل من هذه الآفة الحيوانية .. في دولة تحترم نفسها، مثل هذا القول يقود الى النبذ والآقصاء من المجتمع البشري وليس من السياسة فقط. كنت اتوقع ان اسمع شجبا من بعض العقلانيين، واعترف انه بعد صمت المدافع ستعلو اصواتهم ويكثر عددهم، ولا بأس بذلك.
الفشل الاسرائيلي - الامريكي له اسقاطات بعيدة المدى ... وسنشهد محاولات لاعادة ترتيب الاوراق وربما استمرار الحرب الهمجية بقوة دفع اعظم لانجاز ما فشلوا من انجازه حتى اليوم، واعتقد ان رايس باتت اسيرة للرغبة في الرد على الصفعتين .. صفعة لبنان السياسية وصفعة الصمود الاسطورية للشعب اللبناني، الذي قد يهز العروش العربية الخاملة والفاسدة ويدفع آمال جديدة بمستقبل عربي زاهر، اختفى حتى من الحلم العربي ...
ان وقف اطلاق النار لـ 48 ساعة، يجيء ليس بضغط دولي فقط اثر الجريمة الرهيبة في قانا، انما بعد تيقن الادارة الامريكية ان حليفها الاسرائيلي بات يكابر ويزايد وتسيطر عليه نفس الاوهام التي قادتها للتورط في المستنقع العراقي. ويبدو انه لا احد احسن من احد. عظمة الجيش الاسرائيلي مشروطة بواقع عربي، الخوف الان من تغيير هذا الواقع نتيجة ما يحدث في لبنان بات في بعض الحسابات اهم من استمرار تدمير لبنان، خاصة عندما لا تلوح في الافق امكانية الحسم العسكري، وهناك خوف من تلقي للمزيد من الضربات لما تسميه اسرائيل "قوة ردعها" .. وربما باتت امريكا تعمل حساب ثمن الحرب الذي ستسدده لاسرائيل عاجلا ام آجلا .. وهو ثمن اقتصادي وعسكري هائل!!
فرض وقف القتال لـ48 ساعة، قد يكون الخطوة الاولى للوقف الكامل للقتال، الامر يتعلق بالقوى المتصارعة داخل الادارة الامريكية وحسابات غرف السياسة والحرب، وبالطبع لا نستهتر بقدرة اسرائيل في التأثير على القرار الامريكي، وكل ما يدور بكواليس السياسة بغياب الدور العربي.
أثلج صدري ما اعلنه وزير الطاقة الفنزويلي من ان بلاده ستوقف بيع النفط لامريكا اذا واصلت سياستها العدوانية ضد بلاده، وكان الرئيس الفنزويلي في زيارة رسمية لايران .. وتمنيت ان اسمع تلميحا عربيا مشابها اذا استمرت التغطية الدبلوماسية والعسكرية الامريكية للعدوان الاسرائيلي على لبنان .. وخاصة الاصرار الامريكي على رفض وقف اطلاق النار. شتان ما بين كرامة السلطة في فنزويلا، تحت الضربة المباشر للجارة العملاقة، والأنظمة الشرشوحة العربية المستباحة للفساد وللغطرسة الامريكية – الاسرائيلية!! لعلهم الان يلمحون بذلك للتأثير على القرار الامريكي بعد الـ 48 ساعة من وقف القتال.
الحرب لم تنته بعد .. الساعات القادمة ستكون محملة بالمناورات لتركيع لبنان، اظن ان الاوراق التي ما زالت تعتمدها الدبلوماسية الامريكية اصبحت غير ذات جدوى، الشرق الاوسط الجديد، هو جديد حقا، بدون الرؤية الامريكية – الاسرائيلية. هذا تحول هام، يعتمد على قدرة الشعوب العربية في فهم متطلبات المرحلة الجديدة، والاهم في اعادة تشكيل لبنان الحديث الديمقراطي المتنور والمتطور!!