في كل يوم، ومع تراجع شعبية الرئيس الأميركي جورج بوش داخل أميركا وخارجها، يتم تسريب بعض أسرار التآمر المجرم الذي كان يحاك داخل دوائر صناعة القرار في كل من واشنطن ولندن التي يلفظ فيها توني بلير آخر أنفاس عهده غير المأسوف عليه. وفي كل يوم نفاجأ بالكم الهائل من الحقد الذي كان يعتمل داخل بوش وبلير أثناء حبك الخطط لاحتلال البلد العربي العراق، والذي أصبح الآن مقطَّع الأوصال يستجدي المعونات الدولية، بعدما كان يرفد المحتاج من دول الجوار العربي.
ما يهمني أن أشير إليه هنا هو حيثية ذكرها الكاتب الأردني راكان المجالي في مقال له تحت عنوان «نيات أميركا المبيَّتة لغزو العراق» نشرته «الحياة» في 11 أيار (مايو) الجاري، أشار فيه إلى التآمر الاستخباري الأميركي الذي كانت تُحبَكُ فصوله في واشنطن ولندن توطئة لاحتلال العراق. وفي حين كان الموقف الرسمي المعلن لواشنطن يقول بالانفتاح تجاه كل الخيارات الديبلوماسية، وأن الحرب على العراق ليست أمراً محتوماً، كان قرار «البنتاغون» في الهجوم واحتلال العراق قد اتخذ في واشنطن.
وفي مسعى اليائس من الشفاء من مرضه العضال، كان العراق يتلفت يميناً ويساراً باحثاً عما يمكن أن يكون معجزة تدفع عنه الكارثة المحققة. وإذ بدا النظام العراقي يائساً، حاول إرسال سلسلة من الرسائل، عبر قنوات خفية، ليقول للأميركيين «ليست هناك أسلحة غير مشروعة». كان ذلك عبر وسيط هو رجل أعمال أميركي من أصل لبناني، وقد حمل رسالة للاستخبارات المركزية الأميركية تؤكد أن العراق مستعد لفتح كل منشآته أمام أي لجنة تفتيش تأتي للتأكد من عدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق. وقبيل أسابيع من اجتياح العراق تحدث رجل الأعمال اللبناني الأصل إلى ريتشارد بيرل الذي كان نافذاً بين المحافظين الجدد، حيث نقل الرسالة بدوره إلى أعلى المستويات، ثم عاد بيرل ليبلغ الوسيط الرسالة التالية: «نلتقي في بغداد»، واندلعت الحرب.
يخطئ كثيرون من محترفي السياسة العرب إذ يظنون أن المخطط الذي نفذته واشنطن في العراق مخطط معزول، لن يتكرر في قطر آخر إذا تضافرت له الظروف نفسها التي أحدقت بالعراق فجعلته «لقمة طرية» بحسب تعبير جورج تينيت أمام الرئيس الأميركي، ثم عاد بعد أشهر من غزو العراق ليعترف بأنهما «أغبى كلمتين نطق بهما في حياته». إذا كان العقيد القذافي أحنى رأسه للعاصفة ودفع ثمناً باهظاً لينجو برأسه، ورفض الرئيس العراقي أن يدفع الثمن، فإن واشنطن، على ما يظهر، لن تقبل بأقل من هذا الثمن ممن يريد أن ينجو برأسه من مقصلة نصبتها لمن لا يقبل بشروطها المهينة.
غالبية الشعب العربي تعرف أن الزعماء العرب غيرُ مستهدَفين، إلا إذا أصبحوا عقبة أمام المخططات التي تحاك ضد أوطانهم. ويوم كان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مشغولاً في حربه ضد إيران، كان وزير الدفاع الأميركي المستقيل رامسفيلد يعمل بائعاً متجولاً عنده يسوق الأسلحة الأميركية. ولو كانت القضية هي إزاحة صدام حسين من السلطة، لكان ينبغي أن يتم ذلك وهو يملك القوة. ولأن المقصود هو نفط العراق ودور العراق العربي، فقد تم تحطيم هذا البلد «بالتقسيط»: البداية كانت مع بوش الأب، ثم كانت النهاية في عهد بوش الابن.
دائماً كانت تثار أمام الزعامات العربية قضايا واهتمامات هامشية لاستنزاف قوى البلاد في معارك جانبية، كما هو حاصل الآن في لبنان. فلو أن سورية تركت لبنان ومشاكله للزعماء اللبنانيين وتفرغت لتقوية الجبهة الداخلية لمواجهة الاستهداف الأميركي الصهيوني لوجدت أن أمامها عملاً كثيراً، لن تجد معه أي وقت كي تصرفه في مشاكل لبنان.
الرهان - سورياً - على من سيأتي إلى البيت الأبيض بعد جورج بوش، كمن يفاضل بين الأسوأ والأسوأ. فلقد كان الرئيس المقبل إلى البيت الأبيض دائماً أسوأ من سلفه تجاه القضايا العربية، ولا عبرة لكون القادم ديموقراطياً أو جمهورياً. وإذا كان هناك من يزعم أن مصلحة واشنطن حالياً هي مع دمشق وطهران للخروج من المستنقع العراقي، فإن لا أحد يمكنه أن يزعم أنه يستطيع قراءة ما يدور في رأس بوش. فدائماً عنده الجديد الذي يخرج عن مألوف القاعدة الأساسية في العلاقات الدولية وهي أن «السياسة مصالح دائمة». وهذا ما رأيناه عندما لم يأخذ بوش بنصائح لجنة «بيكر – هاملتون» في شأن سورية وإيران.
وحتى الآن النظام السوري غير مستهدف لذاته إسرائيلياً، طالما أن الحدود المشتركة يسودها الهدوء منذ توقيع معاهدة فك الارتباط في عام 1974 برعاية هنري كيسنجر. وبالتالي فإن لا شيء أميركياً إلا الضغوط.
غير أنه عندما تتغير قواعد اللعبة عند واشنطن تجاه سورية – لأن ليس مع جورج بوش شيء مضمون - لن ينفع دمشق السوري عندها اعتقادها بأنها لاعب أساسي لا بد من أخذ رأيه في أمور المنطقة، سواء كان ذلك في ما يخص العراق أو لبنان أو فلسطين. فما أصبح معروفاً هو أن بوش كلما ضُيّق عليه الخناق – أميركياً – أصبح أكثر خَطراً، ولا يدري أحد بماذا يفكر.
الرسائل التي ترسلها دمشق تعرض فيها خدمات مقابل خدمات، ربما اعتبرتها إدارة «بوش» نوعاً من الابتزاز، واستغلالاً للأزمات التي تعيشها هذه الإدارة. وعندها ربما يظن الرئيس بوش بأن أفضل السبل للخروج من الأزمات هو الهروب إلى الأمام. ومن يدري؟ فقد يكون جواب هذه الرسائل مما لا يخطر ببال مرسليها، كأن يكون الجواب -كالجواب الذي أرسل إلى العراقيين - «نلقاكم في دمشق».
ما يهمني أن أشير إليه هنا هو حيثية ذكرها الكاتب الأردني راكان المجالي في مقال له تحت عنوان «نيات أميركا المبيَّتة لغزو العراق» نشرته «الحياة» في 11 أيار (مايو) الجاري، أشار فيه إلى التآمر الاستخباري الأميركي الذي كانت تُحبَكُ فصوله في واشنطن ولندن توطئة لاحتلال العراق. وفي حين كان الموقف الرسمي المعلن لواشنطن يقول بالانفتاح تجاه كل الخيارات الديبلوماسية، وأن الحرب على العراق ليست أمراً محتوماً، كان قرار «البنتاغون» في الهجوم واحتلال العراق قد اتخذ في واشنطن.
وفي مسعى اليائس من الشفاء من مرضه العضال، كان العراق يتلفت يميناً ويساراً باحثاً عما يمكن أن يكون معجزة تدفع عنه الكارثة المحققة. وإذ بدا النظام العراقي يائساً، حاول إرسال سلسلة من الرسائل، عبر قنوات خفية، ليقول للأميركيين «ليست هناك أسلحة غير مشروعة». كان ذلك عبر وسيط هو رجل أعمال أميركي من أصل لبناني، وقد حمل رسالة للاستخبارات المركزية الأميركية تؤكد أن العراق مستعد لفتح كل منشآته أمام أي لجنة تفتيش تأتي للتأكد من عدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق. وقبيل أسابيع من اجتياح العراق تحدث رجل الأعمال اللبناني الأصل إلى ريتشارد بيرل الذي كان نافذاً بين المحافظين الجدد، حيث نقل الرسالة بدوره إلى أعلى المستويات، ثم عاد بيرل ليبلغ الوسيط الرسالة التالية: «نلتقي في بغداد»، واندلعت الحرب.
يخطئ كثيرون من محترفي السياسة العرب إذ يظنون أن المخطط الذي نفذته واشنطن في العراق مخطط معزول، لن يتكرر في قطر آخر إذا تضافرت له الظروف نفسها التي أحدقت بالعراق فجعلته «لقمة طرية» بحسب تعبير جورج تينيت أمام الرئيس الأميركي، ثم عاد بعد أشهر من غزو العراق ليعترف بأنهما «أغبى كلمتين نطق بهما في حياته». إذا كان العقيد القذافي أحنى رأسه للعاصفة ودفع ثمناً باهظاً لينجو برأسه، ورفض الرئيس العراقي أن يدفع الثمن، فإن واشنطن، على ما يظهر، لن تقبل بأقل من هذا الثمن ممن يريد أن ينجو برأسه من مقصلة نصبتها لمن لا يقبل بشروطها المهينة.
غالبية الشعب العربي تعرف أن الزعماء العرب غيرُ مستهدَفين، إلا إذا أصبحوا عقبة أمام المخططات التي تحاك ضد أوطانهم. ويوم كان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مشغولاً في حربه ضد إيران، كان وزير الدفاع الأميركي المستقيل رامسفيلد يعمل بائعاً متجولاً عنده يسوق الأسلحة الأميركية. ولو كانت القضية هي إزاحة صدام حسين من السلطة، لكان ينبغي أن يتم ذلك وهو يملك القوة. ولأن المقصود هو نفط العراق ودور العراق العربي، فقد تم تحطيم هذا البلد «بالتقسيط»: البداية كانت مع بوش الأب، ثم كانت النهاية في عهد بوش الابن.
دائماً كانت تثار أمام الزعامات العربية قضايا واهتمامات هامشية لاستنزاف قوى البلاد في معارك جانبية، كما هو حاصل الآن في لبنان. فلو أن سورية تركت لبنان ومشاكله للزعماء اللبنانيين وتفرغت لتقوية الجبهة الداخلية لمواجهة الاستهداف الأميركي الصهيوني لوجدت أن أمامها عملاً كثيراً، لن تجد معه أي وقت كي تصرفه في مشاكل لبنان.
الرهان - سورياً - على من سيأتي إلى البيت الأبيض بعد جورج بوش، كمن يفاضل بين الأسوأ والأسوأ. فلقد كان الرئيس المقبل إلى البيت الأبيض دائماً أسوأ من سلفه تجاه القضايا العربية، ولا عبرة لكون القادم ديموقراطياً أو جمهورياً. وإذا كان هناك من يزعم أن مصلحة واشنطن حالياً هي مع دمشق وطهران للخروج من المستنقع العراقي، فإن لا أحد يمكنه أن يزعم أنه يستطيع قراءة ما يدور في رأس بوش. فدائماً عنده الجديد الذي يخرج عن مألوف القاعدة الأساسية في العلاقات الدولية وهي أن «السياسة مصالح دائمة». وهذا ما رأيناه عندما لم يأخذ بوش بنصائح لجنة «بيكر – هاملتون» في شأن سورية وإيران.
وحتى الآن النظام السوري غير مستهدف لذاته إسرائيلياً، طالما أن الحدود المشتركة يسودها الهدوء منذ توقيع معاهدة فك الارتباط في عام 1974 برعاية هنري كيسنجر. وبالتالي فإن لا شيء أميركياً إلا الضغوط.
غير أنه عندما تتغير قواعد اللعبة عند واشنطن تجاه سورية – لأن ليس مع جورج بوش شيء مضمون - لن ينفع دمشق السوري عندها اعتقادها بأنها لاعب أساسي لا بد من أخذ رأيه في أمور المنطقة، سواء كان ذلك في ما يخص العراق أو لبنان أو فلسطين. فما أصبح معروفاً هو أن بوش كلما ضُيّق عليه الخناق – أميركياً – أصبح أكثر خَطراً، ولا يدري أحد بماذا يفكر.
الرسائل التي ترسلها دمشق تعرض فيها خدمات مقابل خدمات، ربما اعتبرتها إدارة «بوش» نوعاً من الابتزاز، واستغلالاً للأزمات التي تعيشها هذه الإدارة. وعندها ربما يظن الرئيس بوش بأن أفضل السبل للخروج من الأزمات هو الهروب إلى الأمام. ومن يدري؟ فقد يكون جواب هذه الرسائل مما لا يخطر ببال مرسليها، كأن يكون الجواب -كالجواب الذي أرسل إلى العراقيين - «نلقاكم في دمشق».