)
و أنت تخوض في مستنقع لا يمكنك أن تشير إلي مكان الأوحال . ثم إنك لا تدري حقا إن لمحت زهرة ما , أهذه زهرة موحلة أم أوحال علقت بها زهرة .
الكتابة تسحبك و تغويك لكي ترفع إصبعك و تقول هذه أوحال أو هذه زهرة . بينما الأمر ليس كذلك …
محاولة الكتابة عما يجري في لبنان الآن تبدو لي معقدة بعض الشيء , بينما بساطة الانحياز علي الأرض ضد القتلة و مع المقاومين بديهية و بسيطة .
لذا , ليلعن الله القتلة , و ليحفظ البندقية التي تذود … هذا أولا .
ثانيا , إذا كنت مشغولا للغاية و ممسكا ببندقية علي جبهة ما , فالعن أجدادي جميعا و اترك كلماتي هذه لمن ليس امامهم إلا أن يفكروا في أوضاع المستنقع غدا أو بعد غد … و تفرغ انت لواجب الوقت .
(2)
لا تقل لي دعنا من الحديث عن بداية هذه الحرب ! أنت تحدثني الآن عن الانتصار و القضاء علي اسرائيل و مأزقها التاريخي . ألا يستحق إذن في نظرك , من بدأ هذا الأمر, الكثير من الأوسمة والتقدير و الحفاوة و هتاف الجماهير ؟!
لماذا إذن يتدافعون لإثبات تخطيط اسرائيل المسبق و منذ زمن بعيد لكي تهدينا هذا النصر . و لماذا ينكرون مسؤولية حزب الله عن إثارة معركة النصر هذه . و لماذا يتباري محللو النصر في إنكار علاقة إيران و سوريا بهذا الأمر دفاعا عنهم .
لا أخفيك أني لا أعرف حقيقة كثير مما يقال . و لكن اسرائيل دولة عدوانية منذ نعومة أظافرها , و هي كيان عسكري متأهب علي الدوام . خطابها العدواني و تأهبها الدائم يمنحانك الفرصة في المستقبل لأن تخرج قصاصات الصحف و تثبت أن إسرائيل قد خططت علي الدوام للعدوان علي فنزويلا !
و لكن ألا تتفق معي في أنه من الصعب أن نتخيل حربا ماتبدأ بينما يخرج المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي لكي يعلن أنهم قرروا شن الحرب لأن مزاج إسرائيل سيء هذا الصباح . أو لأن باحثا شابا في جامعة تل أبيب توصل إلي أن اليوم هو موعد مناسب جدا لشن الحروب ... ألا تعتقد أن شيئا كهذا لا يحدث بدون ان تكون هناك ذريعة ما .
نعم .. أنت محق في انه من المهين لنا ان نفكر في تجنب ذرائع إثارة غضب إسرائيل . و لكنها يا سيدي قوانين المستنقع لمن أراد أن يخوضه راكضا قبل أن يفكر في تجفيفه .
هذه العروش و الجيوش من حولنا نعلم أنا و أنت أنها لا علاقة لها بنا . فلا أنا و لا أنت اخترنا قادتها و لا سياستها و لا نملك لا أنا و لا أنت ان نغيرهم و لا أن نغيرها .
لذا فمن المستحسن عندما تكون مهزوما بهذا الشكل ان تتحصن بفلسفة الهزيمة – واقعك – من اجل أن تتجاوزها , لا أن تنتشي بأشعار النصر قبل أن تكتحل عيناك برؤيته .
دعنا لا نصدق كلام هؤلاء الذين يقولون أن حزب الله يتحرك وفقا للمصالح الإيرانية و السورية . دعنا نسمع لحديث السيد حسن نصر الله , هو عندي مثلما هو عندك أصدق من كثيرين .
السيد نصر الله قال أن الجميع في الحكومة اللبنانية و رؤساء التيارات اللبنانية اتفقوا علي تجنب الرد علي الاستفزاز الاسرائيلي سواء بالخروقات الجوية للسماء اللبنانية أو تجاوز خط الهدنة من قبل الجنود الاسرائيليون , و لكنهم – انتبه جيدا – أقروا , بما أن الصمت إقرار , أن يقوم حزب الله بخطف جنود اسرائيليين لمبادلتهم بالأسري اللبنانيين !
لقد تم الاتفاق علي تفادي الرد علي الاستفزاز الاسرائيلي , بينما أقر الجميع بحق حزب الله في البدء باستفزاز اسرائيل بشكل مباشر . هل ابتعلت هذه ؟ أم أن المنطق وقف في حلقك ؟
عندما تقرر تفادي الاستفزاز فهذا اقرار بتبعات كثيرة ليس بوسع اللبنانيين تحملها الأن , كما أنه إقرار بان ما تبقي من معركة التحرير – بعد الانسحاب الاسرائيلي - يمكن السعي اليه بالوسائل القانونية و الدبيلوماسية , و أن المواجهات العسكرية التابعة لأي توتر , كلفتها أكبر من كلفة وجود أسري لبنانيين في السجون الإسرائيلية .
دعنا لا نحمل المسؤولية أحدا , فلا أحد قادر علي حساب أحد حقا . أن نكون قادرين علي محاسبة هؤلاء الذين يتحدثون باسمنا هي معركة أخري يتجاوزها فلاسفة الانتصار .
و لكن دعنا نتأمل قانونا آخر من قوانين المستنقع : عندما يتم الرد عليك بقسوة عليك أن تفكر كثيرا في مكانتك , و كيف وصلت إلي هذه الحال . لماذا يتم تضخيم استفزازك البسيط هكذا, كأنك حشرة في هذا العالم ليس لها إلا أن تقاوم سحقها إلا بأن تكون مرنة و لزجة بما فيه الكفاية .( سامحني علي الايحاء المقزز )
لماذا لا يمكن لجبهة لبنانية مقاومة أن تشارك في الصراع ضد العدو بجانب المقاومة الفلسطينية . لعلك تسأل هذا السؤال . و لكن دعني أذكرك : لا تنس أننا في مستنقع , ربما كان حزب الله كيانا صلبا قادرا علي خمش وجه اسرائيل القاسي , و استنزافها بشكل كبير لفترات طويلة .
و لكن ألا تري أن خلف هذا الحزب أرضا مكشوفة و مستباحة و وطنا هو بالأساس ساحة لصراعات هيمنة , حالت دون أن تكون لديه سيادة حقيقة أو جيش ذا معني يمكن له أن يدافع عن الأرض و الناس .
ألا تري لبنان الذي كان يحفل بتيارات المقاومة و الفدائيين الان جبهته تقتصر علي حزب الله فقط دونا عن كل الآخرين حتي من الاخوة الشيعة في حركة أمل . و الأسباب تمتد من الوضع الطائفي وصولا سياسات حزب الله الإقصائية قبل و بعد الانسحاب .
ألا زلت تري أن الجبهة اللبنانية مؤهلة لدفعنا إلي الأمام فيما يخص معركة الحق الفلسطيني , أم أن الأمر سيفضي إلي مزيد من الأراض المحتلة و الشعوب المنكوبة . و لنعد إلي نقطة الصفر .. إلي ما قبل التحرير .. إلي اللحظة التي لا يمكننا فيها المطالبة بلبنان ديمقراطي لأننا بحاجة إلي حزب الله المسلح المقاوم من أجل التحرير . ثم بحاجة إلي المال الأمريكي و الأوروبي و السعودي –و لا تنس السلاح الإيراني - لإعادة الإعمار.
و كل عملة تصب في خانة طائفة و تكريس وضعها و مكاسبها و لا يجد فقراء الشيعة الا حزب الله و سلاحه لتحسين وضعهم كطائفة .. و ليتراجع لبنان الوطن الواحد ذو السيادة , و هكذا إلي ما لا نهاية ... دوائرا تلو دوائر بلا خطوة واحدة إلي الأمام !
(3)
" خطوة إلي الأمام " . يبدو لي هذا معيارا جيدا لقياس الأمور .
هل تقدمنا خطوة أم تقهقرنا لخطوات ؟
ربما لا يبالي محللو الانتصار بتلك الخطوات إلي الخلف مقابل اهتمامهم بخطوات يرونها : مثل أهمية تحدي أسطورة الجيش الذي لا يقهر , و كسر أنف الغطرسة الصهيونية , و ضرب العمق الإسرائيلي .
يبدو لي أننا بدأنا نستسلم لصورتنا كحشرات في هذا العالم/ المستنقع . فبدلا من محاولة تجاوزها فقط أجرينا تعديلا بسيطا : من الجيد أن نكون حشرات ضارة يمكن أن تلحق الأذي بالآخرين . و لا مانع أن تلفظ أنفاسها الأخيرة في هذه العملية .
فعندما تتحدث عن حساب الخسائر تجد من يردعك مؤكدا علي قيمة قتل الاسرائيلي الواحد في حين أننا كأمة مجاهدة لا ضير أن يموت منا المئات في مقابله أو أن يشرد مئات الآلاف .
أهي معركة أخري أن نتعلم تقدير أنفسنا و احترام قيمة الفرد ثم اعادة نظرتنا للحرب لنصابها : يحارب المقاومون من اجل اعادة حق الناس ,و من العبث أن نضحي بالناس بهذا الشكل السخي كخسائر طبيعية للمعركة .
(4)
ما هو أفضل ما يمكن أن يحدث من وجهة نظرك : ان تنسحب اسرائيل من الأراضي اللبنانية و تعود خلف خط الهدنة بلا شروط , مقابل نشر الجيش اللبناني او قوات دولية . ثم تقبل التفاوض مع حزب الله – او مفوضيهم – ثم تفرج عن الأسري اللبنانيين مقابل الافراج عن الاسيرين الاسرائيليين .
يا لها من رؤية متفائلة ... و لكن ألا تري انها قريبة جدا من نقطة الصفر . و ان جهود الافراج عن الاسري كانت من الاجدي ان تكون علي المسار القانوني و الديبلوماسي – و لنتحمل تبعات المستنقع الدولي – بدلا من كل هذه الخسائر . فلا ارواح الاسري اقدس من ارواح قتلي الشهر الماضي .و لا آلامهم اقدس من الام مليون من المشردين .
و اذا كان ما سيحدث وفق أكثر الرؤي تفاؤلا هو نظرك لقن اسرائيل درسا , فهو ايضا لقننا درسا قاسيا : ان تدمير تلك الاوطان مكشوفة الصدر هو ثمن أي محاولة لاحقة لرفع الرأس .
لا تنس أيضا ما يحمله المستقبل من مشكلات عدة : أين يذهب سلاح حزب الله , و هل سيعود حزبا سياسيا عاديا , و ما طييعة علاقته مع الجيش اللبناني او القوات الدولية , و ما انعكاس ذلك علي الوضع اللبناني الداخلي و استقراره . و ما احتمالات ان يستخدم هذ ا السلاح لصنع توازنات طائفية في ظل ضآلة نصيب الشيعة من الكعكة اللبنانية , و بعد أن حالت النهاية السعيدة بين المقاومة و بين اسرائيل بسد منيع .
و الآن هل لك أن تفيق من تلك الرؤية المتفائلة , و لندخرها لدعائنا و صلواتنا .
الآن هناك احتمالات حرق الجيش الاسرائيلي لمناطق واسعة من الجنوب ثم اعادة احتلالها و صنع شريط حدودي يحمي شمال اسرائيل نسبيا من صواريخ حزب الله .
و هناك احتمالات الاستنزاف الطويل لمقدرات لبنان و لصورايخ حزب الله حتي ينقطع الصبر و الإمدادات و يتوتر الداخل اللبناني و يصبح حزب الله وحيدا في الزاوية .
الي متي سيصمد حزب الله و ما قدرته علي ايقاف اجتياحات برية موسعة لا تجدي معها حرب العصابات .
لاتنس ايضا احتمالات زيادة الاسري اللبانيين في السجون الاسرائيلية .
أما عن مصير الوضع الانساني في لبنان فالاحتمالات , المأسوية بالتأكيد , لا أعلم عن مدي ترديها شيئا .
(5)
حدثني من فضلك عن انتصارنا و ادحض أكاذيبي و أراجيفي .
أفحمني و اقنعني باننا حقا ننتصر, فانا مثلك راغب في الإحساس بالكرامة .
حدثني عن تلك الجماهير المحتشدة امام شاشتي الجزيرة و المنار , يتحين أجرأهم الفرصة في لقاءات الشارع لسب الحكومات العميلة التي لم تنخرط في الحرب و لم تدعم المقاومة .
حدثني عن تلك الجماهير المهزومة يوميا . و التي تنتشي فخرا و تشفيا لازدياد أعداد قتلي صواريخ حزب الله علي المدن الاسرائيلية . ثم تستثني من تشفيها عدد القتلي العرب الفلسطينيين .
فلنتحدث عن تلك الجماهير , التي لم تخض معركتها الأولي بعد .. لم لا يفكرون في ما يمنعهم أن يكونوا أرقاما حقيقية في هذه المعركة إن كانت تخصهم .
و لم لا يؤلمهم و يهينهم ألا يبالي حكامهم بما يريدون , و كانهم قطعان من الماشية التي يعلم راعيها جيدا أين ينبغي أن تسير .
حدثني كيف نعيد فهم معني الكرامة : كرامة الفرد أم كرامة الجماعة رغم أنف الفرد وفوق جثته .
كرامة الانسان أم كرامة كيانات منتفخة من الخارج, و من الداخل هشة و مقرمشة أيضا في فم الأعداء .. هل نسيت كيف سقطت بغداد عاصمة أم المعارك في يد العلوج يا صديقي .
لطفا لا تحدثني عن حسن نصر الله أمير المؤمنين . ذكرني أولا متي سمعت آخر مرة سمعت عن نقيب المهندسين المصريين أو آخر مرة اكتحلت عيناك بأمين منتخب لاتحاد طلبة أو اتحاد عمال .
لم لا نتحدث عن خوض المعركة بشكل صحيح , عن تملك هذه الجماهير لأمرها , عن كسرها لأطواق الذل حول أعناقها .
لم لا نتحدث عما يمكن أن يخوضه كل منا من معارك من أجل تجفيف مستنقعنا لكي يمكن أن نمد أيدينا للدفاع عن أنفسنا مستقبلا , بدلا من العراك الآن حول صيغة بياننا التضامني مع المقاومة : تضامن مطلق أم مشروط و متحفظ ؟
حدثني عن الطريق لارض المعركة قبل ان تحدثني عن الانتصار !
لم لا نتحدث عن لبنان قوي يمكنه رد الاعتداء و الدفاع عن مواطنيه بدلا من حزب يمارس الصمود المحدود بكفاءة و جسارة , و لكنه لا يقدر سوي علي إيذاء العدو نسبيا و لا يستطيع دفع العدوان أو منع الاحتلال؟ ثم انه في النهاية يتوجه الي الداخل بانتصاره او هزيمته ليشارك في اللعبة الطائفية و يكرسها ؟
هل تعتقد أن " الله " يغضب إذا انتقدنا حزب " الله " , أم القداسة تحل علي من يرفعون راية المقاومة , فلا نقد و لا نقاش و لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ؟
أتري هذه دعوات للانكفاء علي الذات من أجل التنمية و الإصلاح و تجاهل لمخططات الامبريالية و الاستعمار و الصهيونية المتربصة ؟ أم أنها خوض للمعركة في الاتجاه الصحيح و بدء من النقطة المناسبة ؟
ألا تري أن خوض الناس معركتهم في الاتجاه الصحيح سيواجه الناس بكل مستغليهم في الداخل و الخارج؟
الا تري أن أوطان قوية بديمقراطية حقيقة و بفساد أقل و وحدة وطنية , أقدر علي مواجهة العدوان و خوض معارك إعادة الحقوق ؟
ألا تري أن الجهود العسكرية لابد لها من اهداف و مشروعات سياسية تخدمها بدلا أن من تتحول لعنف عبثي متبادل يدفع ثمنه الناس ,أصل القضية و هدفها ؟
ألا تري أن الخوض المتأني للمستنقع بعقلانية و هدوء و حسابات واقعية للمكاسب و الخسائر هو الأفضل لنا لكي نخرج من مستنقعنا , بدلا من أن نتطلع لأقصي الأفق متناسين أن سيقاننا عالقة هاهنا . ثم يكون مصيرنا إلي القاع حيث تقتل كثافة الأوحال كل براعم الزهور !
و أنت تخوض في مستنقع لا يمكنك أن تشير إلي مكان الأوحال . ثم إنك لا تدري حقا إن لمحت زهرة ما , أهذه زهرة موحلة أم أوحال علقت بها زهرة .
الكتابة تسحبك و تغويك لكي ترفع إصبعك و تقول هذه أوحال أو هذه زهرة . بينما الأمر ليس كذلك …
محاولة الكتابة عما يجري في لبنان الآن تبدو لي معقدة بعض الشيء , بينما بساطة الانحياز علي الأرض ضد القتلة و مع المقاومين بديهية و بسيطة .
لذا , ليلعن الله القتلة , و ليحفظ البندقية التي تذود … هذا أولا .
ثانيا , إذا كنت مشغولا للغاية و ممسكا ببندقية علي جبهة ما , فالعن أجدادي جميعا و اترك كلماتي هذه لمن ليس امامهم إلا أن يفكروا في أوضاع المستنقع غدا أو بعد غد … و تفرغ انت لواجب الوقت .
(2)
لا تقل لي دعنا من الحديث عن بداية هذه الحرب ! أنت تحدثني الآن عن الانتصار و القضاء علي اسرائيل و مأزقها التاريخي . ألا يستحق إذن في نظرك , من بدأ هذا الأمر, الكثير من الأوسمة والتقدير و الحفاوة و هتاف الجماهير ؟!
لماذا إذن يتدافعون لإثبات تخطيط اسرائيل المسبق و منذ زمن بعيد لكي تهدينا هذا النصر . و لماذا ينكرون مسؤولية حزب الله عن إثارة معركة النصر هذه . و لماذا يتباري محللو النصر في إنكار علاقة إيران و سوريا بهذا الأمر دفاعا عنهم .
لا أخفيك أني لا أعرف حقيقة كثير مما يقال . و لكن اسرائيل دولة عدوانية منذ نعومة أظافرها , و هي كيان عسكري متأهب علي الدوام . خطابها العدواني و تأهبها الدائم يمنحانك الفرصة في المستقبل لأن تخرج قصاصات الصحف و تثبت أن إسرائيل قد خططت علي الدوام للعدوان علي فنزويلا !
و لكن ألا تتفق معي في أنه من الصعب أن نتخيل حربا ماتبدأ بينما يخرج المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي لكي يعلن أنهم قرروا شن الحرب لأن مزاج إسرائيل سيء هذا الصباح . أو لأن باحثا شابا في جامعة تل أبيب توصل إلي أن اليوم هو موعد مناسب جدا لشن الحروب ... ألا تعتقد أن شيئا كهذا لا يحدث بدون ان تكون هناك ذريعة ما .
نعم .. أنت محق في انه من المهين لنا ان نفكر في تجنب ذرائع إثارة غضب إسرائيل . و لكنها يا سيدي قوانين المستنقع لمن أراد أن يخوضه راكضا قبل أن يفكر في تجفيفه .
هذه العروش و الجيوش من حولنا نعلم أنا و أنت أنها لا علاقة لها بنا . فلا أنا و لا أنت اخترنا قادتها و لا سياستها و لا نملك لا أنا و لا أنت ان نغيرهم و لا أن نغيرها .
لذا فمن المستحسن عندما تكون مهزوما بهذا الشكل ان تتحصن بفلسفة الهزيمة – واقعك – من اجل أن تتجاوزها , لا أن تنتشي بأشعار النصر قبل أن تكتحل عيناك برؤيته .
دعنا لا نصدق كلام هؤلاء الذين يقولون أن حزب الله يتحرك وفقا للمصالح الإيرانية و السورية . دعنا نسمع لحديث السيد حسن نصر الله , هو عندي مثلما هو عندك أصدق من كثيرين .
السيد نصر الله قال أن الجميع في الحكومة اللبنانية و رؤساء التيارات اللبنانية اتفقوا علي تجنب الرد علي الاستفزاز الاسرائيلي سواء بالخروقات الجوية للسماء اللبنانية أو تجاوز خط الهدنة من قبل الجنود الاسرائيليون , و لكنهم – انتبه جيدا – أقروا , بما أن الصمت إقرار , أن يقوم حزب الله بخطف جنود اسرائيليين لمبادلتهم بالأسري اللبنانيين !
لقد تم الاتفاق علي تفادي الرد علي الاستفزاز الاسرائيلي , بينما أقر الجميع بحق حزب الله في البدء باستفزاز اسرائيل بشكل مباشر . هل ابتعلت هذه ؟ أم أن المنطق وقف في حلقك ؟
عندما تقرر تفادي الاستفزاز فهذا اقرار بتبعات كثيرة ليس بوسع اللبنانيين تحملها الأن , كما أنه إقرار بان ما تبقي من معركة التحرير – بعد الانسحاب الاسرائيلي - يمكن السعي اليه بالوسائل القانونية و الدبيلوماسية , و أن المواجهات العسكرية التابعة لأي توتر , كلفتها أكبر من كلفة وجود أسري لبنانيين في السجون الإسرائيلية .
دعنا لا نحمل المسؤولية أحدا , فلا أحد قادر علي حساب أحد حقا . أن نكون قادرين علي محاسبة هؤلاء الذين يتحدثون باسمنا هي معركة أخري يتجاوزها فلاسفة الانتصار .
و لكن دعنا نتأمل قانونا آخر من قوانين المستنقع : عندما يتم الرد عليك بقسوة عليك أن تفكر كثيرا في مكانتك , و كيف وصلت إلي هذه الحال . لماذا يتم تضخيم استفزازك البسيط هكذا, كأنك حشرة في هذا العالم ليس لها إلا أن تقاوم سحقها إلا بأن تكون مرنة و لزجة بما فيه الكفاية .( سامحني علي الايحاء المقزز )
لماذا لا يمكن لجبهة لبنانية مقاومة أن تشارك في الصراع ضد العدو بجانب المقاومة الفلسطينية . لعلك تسأل هذا السؤال . و لكن دعني أذكرك : لا تنس أننا في مستنقع , ربما كان حزب الله كيانا صلبا قادرا علي خمش وجه اسرائيل القاسي , و استنزافها بشكل كبير لفترات طويلة .
و لكن ألا تري أن خلف هذا الحزب أرضا مكشوفة و مستباحة و وطنا هو بالأساس ساحة لصراعات هيمنة , حالت دون أن تكون لديه سيادة حقيقة أو جيش ذا معني يمكن له أن يدافع عن الأرض و الناس .
ألا تري لبنان الذي كان يحفل بتيارات المقاومة و الفدائيين الان جبهته تقتصر علي حزب الله فقط دونا عن كل الآخرين حتي من الاخوة الشيعة في حركة أمل . و الأسباب تمتد من الوضع الطائفي وصولا سياسات حزب الله الإقصائية قبل و بعد الانسحاب .
ألا زلت تري أن الجبهة اللبنانية مؤهلة لدفعنا إلي الأمام فيما يخص معركة الحق الفلسطيني , أم أن الأمر سيفضي إلي مزيد من الأراض المحتلة و الشعوب المنكوبة . و لنعد إلي نقطة الصفر .. إلي ما قبل التحرير .. إلي اللحظة التي لا يمكننا فيها المطالبة بلبنان ديمقراطي لأننا بحاجة إلي حزب الله المسلح المقاوم من أجل التحرير . ثم بحاجة إلي المال الأمريكي و الأوروبي و السعودي –و لا تنس السلاح الإيراني - لإعادة الإعمار.
و كل عملة تصب في خانة طائفة و تكريس وضعها و مكاسبها و لا يجد فقراء الشيعة الا حزب الله و سلاحه لتحسين وضعهم كطائفة .. و ليتراجع لبنان الوطن الواحد ذو السيادة , و هكذا إلي ما لا نهاية ... دوائرا تلو دوائر بلا خطوة واحدة إلي الأمام !
(3)
" خطوة إلي الأمام " . يبدو لي هذا معيارا جيدا لقياس الأمور .
هل تقدمنا خطوة أم تقهقرنا لخطوات ؟
ربما لا يبالي محللو الانتصار بتلك الخطوات إلي الخلف مقابل اهتمامهم بخطوات يرونها : مثل أهمية تحدي أسطورة الجيش الذي لا يقهر , و كسر أنف الغطرسة الصهيونية , و ضرب العمق الإسرائيلي .
يبدو لي أننا بدأنا نستسلم لصورتنا كحشرات في هذا العالم/ المستنقع . فبدلا من محاولة تجاوزها فقط أجرينا تعديلا بسيطا : من الجيد أن نكون حشرات ضارة يمكن أن تلحق الأذي بالآخرين . و لا مانع أن تلفظ أنفاسها الأخيرة في هذه العملية .
فعندما تتحدث عن حساب الخسائر تجد من يردعك مؤكدا علي قيمة قتل الاسرائيلي الواحد في حين أننا كأمة مجاهدة لا ضير أن يموت منا المئات في مقابله أو أن يشرد مئات الآلاف .
أهي معركة أخري أن نتعلم تقدير أنفسنا و احترام قيمة الفرد ثم اعادة نظرتنا للحرب لنصابها : يحارب المقاومون من اجل اعادة حق الناس ,و من العبث أن نضحي بالناس بهذا الشكل السخي كخسائر طبيعية للمعركة .
(4)
ما هو أفضل ما يمكن أن يحدث من وجهة نظرك : ان تنسحب اسرائيل من الأراضي اللبنانية و تعود خلف خط الهدنة بلا شروط , مقابل نشر الجيش اللبناني او قوات دولية . ثم تقبل التفاوض مع حزب الله – او مفوضيهم – ثم تفرج عن الأسري اللبنانيين مقابل الافراج عن الاسيرين الاسرائيليين .
يا لها من رؤية متفائلة ... و لكن ألا تري انها قريبة جدا من نقطة الصفر . و ان جهود الافراج عن الاسري كانت من الاجدي ان تكون علي المسار القانوني و الديبلوماسي – و لنتحمل تبعات المستنقع الدولي – بدلا من كل هذه الخسائر . فلا ارواح الاسري اقدس من ارواح قتلي الشهر الماضي .و لا آلامهم اقدس من الام مليون من المشردين .
و اذا كان ما سيحدث وفق أكثر الرؤي تفاؤلا هو نظرك لقن اسرائيل درسا , فهو ايضا لقننا درسا قاسيا : ان تدمير تلك الاوطان مكشوفة الصدر هو ثمن أي محاولة لاحقة لرفع الرأس .
لا تنس أيضا ما يحمله المستقبل من مشكلات عدة : أين يذهب سلاح حزب الله , و هل سيعود حزبا سياسيا عاديا , و ما طييعة علاقته مع الجيش اللبناني او القوات الدولية , و ما انعكاس ذلك علي الوضع اللبناني الداخلي و استقراره . و ما احتمالات ان يستخدم هذ ا السلاح لصنع توازنات طائفية في ظل ضآلة نصيب الشيعة من الكعكة اللبنانية , و بعد أن حالت النهاية السعيدة بين المقاومة و بين اسرائيل بسد منيع .
و الآن هل لك أن تفيق من تلك الرؤية المتفائلة , و لندخرها لدعائنا و صلواتنا .
الآن هناك احتمالات حرق الجيش الاسرائيلي لمناطق واسعة من الجنوب ثم اعادة احتلالها و صنع شريط حدودي يحمي شمال اسرائيل نسبيا من صواريخ حزب الله .
و هناك احتمالات الاستنزاف الطويل لمقدرات لبنان و لصورايخ حزب الله حتي ينقطع الصبر و الإمدادات و يتوتر الداخل اللبناني و يصبح حزب الله وحيدا في الزاوية .
الي متي سيصمد حزب الله و ما قدرته علي ايقاف اجتياحات برية موسعة لا تجدي معها حرب العصابات .
لاتنس ايضا احتمالات زيادة الاسري اللبانيين في السجون الاسرائيلية .
أما عن مصير الوضع الانساني في لبنان فالاحتمالات , المأسوية بالتأكيد , لا أعلم عن مدي ترديها شيئا .
(5)
حدثني من فضلك عن انتصارنا و ادحض أكاذيبي و أراجيفي .
أفحمني و اقنعني باننا حقا ننتصر, فانا مثلك راغب في الإحساس بالكرامة .
حدثني عن تلك الجماهير المحتشدة امام شاشتي الجزيرة و المنار , يتحين أجرأهم الفرصة في لقاءات الشارع لسب الحكومات العميلة التي لم تنخرط في الحرب و لم تدعم المقاومة .
حدثني عن تلك الجماهير المهزومة يوميا . و التي تنتشي فخرا و تشفيا لازدياد أعداد قتلي صواريخ حزب الله علي المدن الاسرائيلية . ثم تستثني من تشفيها عدد القتلي العرب الفلسطينيين .
فلنتحدث عن تلك الجماهير , التي لم تخض معركتها الأولي بعد .. لم لا يفكرون في ما يمنعهم أن يكونوا أرقاما حقيقية في هذه المعركة إن كانت تخصهم .
و لم لا يؤلمهم و يهينهم ألا يبالي حكامهم بما يريدون , و كانهم قطعان من الماشية التي يعلم راعيها جيدا أين ينبغي أن تسير .
حدثني كيف نعيد فهم معني الكرامة : كرامة الفرد أم كرامة الجماعة رغم أنف الفرد وفوق جثته .
كرامة الانسان أم كرامة كيانات منتفخة من الخارج, و من الداخل هشة و مقرمشة أيضا في فم الأعداء .. هل نسيت كيف سقطت بغداد عاصمة أم المعارك في يد العلوج يا صديقي .
لطفا لا تحدثني عن حسن نصر الله أمير المؤمنين . ذكرني أولا متي سمعت آخر مرة سمعت عن نقيب المهندسين المصريين أو آخر مرة اكتحلت عيناك بأمين منتخب لاتحاد طلبة أو اتحاد عمال .
لم لا نتحدث عن خوض المعركة بشكل صحيح , عن تملك هذه الجماهير لأمرها , عن كسرها لأطواق الذل حول أعناقها .
لم لا نتحدث عما يمكن أن يخوضه كل منا من معارك من أجل تجفيف مستنقعنا لكي يمكن أن نمد أيدينا للدفاع عن أنفسنا مستقبلا , بدلا من العراك الآن حول صيغة بياننا التضامني مع المقاومة : تضامن مطلق أم مشروط و متحفظ ؟
حدثني عن الطريق لارض المعركة قبل ان تحدثني عن الانتصار !
لم لا نتحدث عن لبنان قوي يمكنه رد الاعتداء و الدفاع عن مواطنيه بدلا من حزب يمارس الصمود المحدود بكفاءة و جسارة , و لكنه لا يقدر سوي علي إيذاء العدو نسبيا و لا يستطيع دفع العدوان أو منع الاحتلال؟ ثم انه في النهاية يتوجه الي الداخل بانتصاره او هزيمته ليشارك في اللعبة الطائفية و يكرسها ؟
هل تعتقد أن " الله " يغضب إذا انتقدنا حزب " الله " , أم القداسة تحل علي من يرفعون راية المقاومة , فلا نقد و لا نقاش و لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ؟
أتري هذه دعوات للانكفاء علي الذات من أجل التنمية و الإصلاح و تجاهل لمخططات الامبريالية و الاستعمار و الصهيونية المتربصة ؟ أم أنها خوض للمعركة في الاتجاه الصحيح و بدء من النقطة المناسبة ؟
ألا تري أن خوض الناس معركتهم في الاتجاه الصحيح سيواجه الناس بكل مستغليهم في الداخل و الخارج؟
الا تري أن أوطان قوية بديمقراطية حقيقة و بفساد أقل و وحدة وطنية , أقدر علي مواجهة العدوان و خوض معارك إعادة الحقوق ؟
ألا تري أن الجهود العسكرية لابد لها من اهداف و مشروعات سياسية تخدمها بدلا أن من تتحول لعنف عبثي متبادل يدفع ثمنه الناس ,أصل القضية و هدفها ؟
ألا تري أن الخوض المتأني للمستنقع بعقلانية و هدوء و حسابات واقعية للمكاسب و الخسائر هو الأفضل لنا لكي نخرج من مستنقعنا , بدلا من أن نتطلع لأقصي الأفق متناسين أن سيقاننا عالقة هاهنا . ثم يكون مصيرنا إلي القاع حيث تقتل كثافة الأوحال كل براعم الزهور !